الجابري متمردا

الجابري متمردا

 

 لم تقدم الأفكار العربية الإسلامية الإجابة الناجحة لسؤال النهضة، فظهرت توجهات جديدة في الفكر الإسلامي  تنقد التفسيرات التقليدية للتراث و تنادي بضرورة تحديث العقل العربي.

"محمد عابد الجابري" من المفكرين المعاصرين، حمل عددا من المشاريع الفكرية التي لم يتوقف الجدل والنقاش حولها. له أكثر من عشرين مؤلفاً.

الإشكالية التي شغلت ذهنه هي: لماذا لم تتطور أدوات المعرفة في الثقافة العربية الإسلامية خلال نهضتها في القرون الوسطى لتمتد حتى يومنا الحاضر؟.

هذا المفكر المغربي وأستاذ الفلسفة في كلية الآداب بالرباط، أولع بالكتابة والقراءة منذ طفولته. كان ابن عصره وثقافته في نشأته الفكرية. تضافر عمله في الصحافة مع نضاله الوطني.

 في كتابه: «العصبية والدولة»، بدا توجهه السياسي نحو الدولة العربية القومية من وجهة نظر تقدمية مغربية. صنف العديد من الكتب بدا فيها أنه كان يفكر في النهضة والبناء وشروطه على خطى أوروبا الحديثة، وذلك ببناء أسباب القوة العلمية والفلسفية والتحديث العقلي.

ولعل ما حرَكه  لاستكمال شروط النهضة بالمفهوم الغربي، هو  ضرورة "تحديد الموقف من التراث". فجاء كتابه: «نحن والتراث» ليفتح حقبة جديدة.كان جريئاً في مناقشة قضايا التراث، حتى أعلن عن نقده للتراث العربي والإسلامي، تحت مسمى:  (نقد العقل العربي). رأى فيه (بأننا لم نتمكن بعد من ترتيب العلاقة بين أجزاء هذا التراث من جهة وبينه وبيننا من جهة أخرى ، وبالصورة التي تجعله يؤسس ذاتنا العربية وفق متطلبات العصر. فالتاريخ العربي كما نقرأه اليوم هو تاريخ "فرق" و"طبقات" و "مقالات"انه تاريخ مجزأ، تاريخ الاختلاف في الرأي وليس تاريخ بناء الرأي).

نقد النقاد مشروعه، فكتب البعض في نقد «نقد العقل العربي» من أمثال المفكر جورج طرابيشي وطه عبد الرحمن وعلى حرب  وفتحي التريكي. ويرى البعض أن الجابري تأثر كثيرا بذلك النقد . ختم حياته العلمية بتصنيف مدخل كبير لفهم القرآن الكريم، "التفسير الواضح حسب ترتيب النزول"، مثّل في نظره فهماً معاصراً للقرآن الحكيم.

الجابري ناقد عقلاني يقرأ تراثنا بعين الفيلسوف المعاصر، ويسعى الى تجذير وترسيخ فكر  تجديدي عقلاني متنور يتخذ من التراث مصدراً وملهماً له.

مسيرته تعبر عن أزمة المفكر، الذي يعيش الانتماء لأمته، يشغله التفكير من أجل نهضتها، عالما بأن كل محاولة للنقد الذاتي محفوفة بالمخاطر.

توفي الجابري عن 75 سنة، تاركاً إنجازا فكريا كبيرا ومتاعب كثيرة. بخاتمة تحاكي الغزالي، بدأها فلسفية وختمها صوفية ، وكأنه يقول: الفلسفة دنيوية ، والدين أخروي.

 


آخر تحديث
4/18/2012 11:23:44 PM
 

أضف تعليقك
الاسـم :
 
البريد الالكتروني :
 
رقم الجوال :
عنوان التعليق :
 
التـعـلـيـق :
 
أدخل الأحرف
الموجودة في الصورة :