الفيلسوف .... إنسان أولا
إذا اتفقا أن الفيلسوف إنسان، والإنسان كل متكامل يتفاعل مع بيئته داخليا وخارجيا. فظروف نشأته الجسدية والعقلية والروحية تنحت بنيته المادية والمعنوية ويظهر ذلك واضحا مع تقدم العمر. فنلاحظ أن نشأة ارسطو المتفاعلة بالوقائع والأحداث اليومية جعلته يقيم وزناً للتجربة والحواس الإنسانية ، فأعطى الملاحظة قيمتها وجاء كلامه أكثر ارتباطاً بالواقع وأرسى بذلك لمنهج التفكير الواقعي.
ونرى عمليا ما أثبتته الدراسات الاجتماعية والنفسية - من أن التنشئة من أهم العمليات تأثيراً على الإنسان ، ودورها في تشكيل شخصيته وعاداته واتجاهاته من القيم السائدة فى بيئته - في ولادة كانط في كونسبرغ / روسيا ، وتربيته في بيت تقوى يشدد على الإخلاص الديني والتفسير الحرفي للكتاب المقدس ، بتعليم صارم قاسي انضباطي ، وتأثير ذلك على فكره.
وفي مثال آخر يرى بعض المحللين أن نشأة الفيلسوف الشهير سارتر ، هي التي دفعته الى تفكيره الوجودي الملحد. فلقد نشأ فاقدا لوالديه ورباه جداه بأسلوب منفر قاس فأحس بأنه في صراع مع الآخر ، وأصبح يرى في الآخر محطما لوجوده الذاتي ، حتى قال مبدأه الشهير (الجحيم هم الآخرين).
كما أن المرحلة التاريخه تتكثف على الفيلسوف وتتجلى في أفكاره، فقد ميز النصف الأخير من القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر قيام الثورة الصناعية في مجتمع يتخبط بدوامة من العنف والتشتت
واللاتوازن، نتج عن سيطرة رجال الكنيسة وملاك الأراضي
والحروب الأهلية. فتوجه الفلاسفة الغربيون في ذلك العصر إلى دراسة مجتمعاتهم وفهم ما يحصل بداخلها ومحاولة حل مشاكلها. من أهم هؤلاء الفلاسفة
كارل ماركس٬ دور كايم٬ ماكس فيبر.
ونلاحظ أن التاريخ الفلسفي ينقسم بين شرقي و غربي. الفلسفة الشرقية هي الفلسفة التي أنتجتها دول الشرق الأقصى (الهند، الصين) بفلسفات ذات طبيعة دينية روحانية، و الفلسفة الغربية الأكثر عقلانيه يظهر فيها واضحا تأثير المراحل التاريخية والبيئة الجغرافية والاجتماعية على فكر فلاسفتها.
فإذا كانت التنشئة الاجتماعية سيرورة مستمرة ومتغيرة على امتداد الحياة ، فإن أثر ذلك على الفيلسوف المتأمل الباحث عن الإجابات يصبح أعمق وأٌقوى. فأفكار هؤلاء الفلاسفة توافقا مع ظروفهم أو تمردا عليها كانت دائرة من التأثر ببيئتهم والتأثير فيها ، لحظات تتحدى الحقيقة ولا يمكن فصلها عمليا ولا نظريا.
|